خرائط جوجل- نافذة على العالم أم خطر على الطريق؟

المؤلف: سامية علي11.05.2025
خرائط جوجل- نافذة على العالم أم خطر على الطريق؟

في العصور الرقمية المبكرة، وتحديدًا في مطلع الألفية الثالثة، كانت التكنولوجيا تفرض وجودها تدريجيًا على مجريات الحياة اليومية، حيث كانت تُعد من قِبل البعض مجرد ترفيه أو تحسينات ثانوية، لا غنى حقيقيًا عنها.

ربما تجلى ذلك في القبول المتردد أو الرفض القاطع للعديد من مظاهر التكنولوجيا الحديثة. إلا أنه مع انطلاق العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تحديدًا ابتداءً من عام 2020، تبدلت الصورة رأساً على عقب، وشهد العالم تحولًا مهولًا في رؤيته للتكنولوجيا وأهميتها. لقد كان ظهور جائحة فيروس كورونا بمثابة نقطة تحول فاصلة، حيث أضحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحياة البشرية اليومية. فتحولت من مجرد وسيلة للراحة والرفاهية إلى أداة حيوية وحاسمة للبقاء والتواصل الفعال في خضم القيود والتحديات التي فرضها الوباء العالمي.

لقد أحدثت التكنولوجيا طفرة نوعية في شتى الميادين والمجالات، وقامت بتيسير وتبسيط العديد من العمليات المعقدة التي كانت تستغرق وقتًا وجهدًا مضنيين في الماضي. ومن بين هذه المجالات، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، قطاع النقل والسفر. ومن بين الأدوات التكنولوجية البارزة التي أسهمت في هذا التحول بشكل ملحوظ، تبرز "الخرائط الإلكترونية" التي توفر معلومات آنية ودقيقة حول المواقع والمسارات والمسافات، مما يساعد في توجيه الأفراد بكل دقة واحترافية إلى وجهتهم المنشودة، دون الحاجة إلى الاعتماد على الآخرين الذين قد يتسببون في إضلالهم وتشتيتهم، فالبعض منهم قد يكون على دراية بالطريق، والبعض الآخر قد يفتقر إلى المعرفة الكافية.

رفيق السفر الذكي

بفضل هذه التقنية المتطورة، أصبح بمقدورنا التنقل بكل سلاسة وسهولة، سواء كنا في مدينة جديدة لم نزرها من قبل، أو في بلد أجنبي بعيد. تمكننا الخرائط الإلكترونية من تحديد المسارات الصحيحة، مما يوفر لنا الوقت والجهد الثمين في التنقل. علاوة على ذلك، تساعدنا هذه التقنية المبتكرة في استكشاف المواقع السياحية والمطاعم الراقية وأماكن الترفيه المتنوعة بكل يسر، والتعرف على تقييمات المستخدمين الآخرين لها قبل زيارتها.

بهذه الصورة، تُعتبر التكنولوجيا، وعلى رأسها تطبيق خرائط غوغل الشهير، شريكًا لا غنى عنه في رحلاتنا وتنقلاتنا اليومية. فمنذ إطلاقه في عام 2005، أضفى بُعدًا جديدًا ومختلفًا على تجربتنا في التنقل والاستكشاف حول العالم، وذلك من خلال تزويد المستخدمين بالدعم والمساعدة التي يحتاجونها للتنقل بكل سهولة ويسر، سواء كانوا يقودون سياراتهم الخاصة، أو يستخدمون وسائل النقل العمومية، أو حتى يسيرون على الأقدام، وذلك من خلال توجيههم بدقة فائقة، عبر تحديد أفضل الطرق والمسارات الأسرع والأكثر ملاءمة للوصول إلى الوجهة المحددة مسبقًا.

ومع تطورها المطرد و المستمر، أصبحت خرائط غوغل تمنح المستخدمين العديد من المزايا والخدمات القيمة، مثل الكشف الفوري عن حركة المرور، وتحديد أوقات الذروة بدقة؛ لتجنب الازدحام المروري الخانق، من خلال معرفة حالة حركة المرور في الوقت الفعلي، واقتراح طرق بديلة للوصول إلى الوجهات المنشودة بكل أمان ويسر، والاستمتاع بتجربة تنقل مريحة واكتشاف العالم المحيط بنا بأريحية تامة.

مشكلات التحديث

على الرغم من المزايا الجمّة التي يوفرها تطبيق خرائط غوغل، يواجه المستخدمون تحديًا أساسيًا يتمثل في اعتماد التطبيق بشكل كلي على الاتصال بشبكة الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وهذا يعني أنه في حالة فقدان الشبكة في منطقة معينة، يصبح من الصعب للغاية استخدام خرائط غوغل، مما قد يؤدي إلى عدم الوصول إلى وجهتك في الوقت المحدد، أو حتى التوهان في مناطق غير مأهولة.

كما يواجه المستخدمون أحيانًا مشكلات تتعلق بعدم تحديث البرنامج بشكل دوري ومنتظم، خاصة فيما يتعلق بتحديث أسماء الشوارع والمعلومات الخرائطية الضرورية. وهذه نقطة بالغة الأهمية تحتاج إلى تسليط الضوء عليها بشكل مكثف؛ لتعزيز تجربة المستخدم وتحسين استخدام البرنامج. لأنها قد تتسبب في توجيه المستخدمين إلى طرق غير صحيحة أو قديمة، بدلًا من الطرق المختصرة والحديثة، ما قد يعرضهم لمخاطر السلامة المختلفة على الطرق.

وقد تم رصد عدد من الحوادث المأساوية المؤسفة التي أُلقي اللوم فيها على التوجيهات الخاطئة التي قدمتها خرائط غوغل. من بينها حادثة سقوط سائق سيارة أجرة في نهر سيبارينجكوك بجاوة الغربية في إندونيسيا، وذلك بعد ظهر يوم الأربعاء الموافق 3 أبريل/نيسان 2024، وذلك بعد اتباعه لتوجيهات خرائط غوغل بشكل أعمى. ولحسن الحظ، تم إنقاذ السائق المسكين من قبل السكان المحليين الذين هبوا لمساعدته.

كما وقعت حادثة أخرى مروعة في عام 2022، حيث ألقت امرأة من ولاية كارولينا الشمالية باللوم على خرائط غوغل في وفاة زوجها المأساوية، الذي غرق بعد أن قاد سيارته نحو جسر منهار، وذلك بناءً على الإرشادات المضللة التي قدمتها خرائط غوغل.

وبناءً على ذلك، قامت الأسرة المفجوعة بتوجيه تهمة "الإهمال الجسيم" للشركة العملاقة، متهمة إياها بالتقصير في تحديث نظام الملاحة الخاص بها.

تثير هذه الحوادث المأساوية وغيرها الكثير من التساؤلات المشروعة حول دقة وموثوقية تطبيق خرائط غوغل، وتسلط الضوء بشكل قاطع على الأهمية البالغة للتحديث المستمر لبيانات الطرق والمسارات، ففي بعض الأحيان، قد تكون المعلومات المتوفرة في التطبيق قديمة وغير محدثة بالقدر الكافي.

وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص قد قاموا بالإبلاغ عن انهيار الجسر في السنوات التي سبقت وفاة باكسون، وطلبوا مرارًا وتكرارًا من الشركة تحديث معلومات الطريق، إلا أنها لم تستجب لطلباتهم المتكررة، لذلك ينبغي على جميع المستخدمين توخي الحذر الشديد وعدم الاعتماد أو الوثوق المطلق في مصدر إلكتروني واحد فقط، مهما كان اسمه أو شهرته، والاعتماد على مصادر متعددة ومتنوعة للمعلومات والإرشادات، خاصة في المناطق غير المألوفة أو التي تشهد تغييرات مرورية مفاجئة وغير متوقعة.

على الرغم من هذه العيوب والنواقص، فإن تطبيق خرائط غوغل ما زال يُعتبر أداة قيمة ومفيدة للملايين من الأشخاص حول العالم، حيث يساهم في تسهيل التنقل واستكشاف العالم بسهولة وراحة لا مثيل لهما. ولا أدري لماذا تستحضرني تلك الخرائط بالعربي القديم، ذلك البدوي الفصيح الذي كان يهتدي بالنجوم اللامعة أثناء سيره في الصحراء القاحلة؟ لا تندهش، فنحن قدمنا الكثير من المعرفة والعلم للعالم أجمع دون أن ندري.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة